معجزة للقديس العظيم
"مــــــــارجرجس
الرومــــــــاني"
يقول القمص لوقا سيداروس فى كتابه " رائحة المسيح فى
حياة أبرار معاصرين " :
جاءنى خادم الكنيسة ، و كنت ساعتها فى حجرة
المعمودية ، أتمم السر المقدس لأحد الأطفال ، و قال لى إن سيدة بالباب هى و
والدتها تطلب أن تراك ، قلت له حالما أنتهى من العماد إدخلهما إلى هنا .
دخلت
السيدة و والدتها .. مرتعدتين فى خوف و حذر و سلمتا على ، أدركت للحال
أنهما غريبتان عن الكنيسة و ربما كانت هذه أول مرة تتقابلان مع كاهن ، أو
لعلهما لم تدخلا كنيسة من قبل .. فرحبت بهما و أذنت لهما بالجلوس .. و قلت "
كيف أستطيع أن أخدمكما ؟ " فلما هدأت الشابة بدأت تقص على قصة غريبة ..
قالت "
نحن كما ترى غير مسيحيين و لكننا من أسرة متدينة محافظة ، و
نعيش فى سلام مع جيراننا و منهم أسرة مسيحية تربطنا بها أواصر محبة .. و قد
صحبتنا السيدة جارتنا المسيحية إلى هنا و أدخلتنا لأننا لا عهد لنا بدخول
الكنيسة .. منذ شبابى المبكر و أنا أحب سانت تريز ، لقد سمعت عنها فى
المدرسة و أطلعت على سيرتها فأحببت فيها الرقة فى المشاعر ، و إحتمال المرض
و الشكر عليه ، و أحسست أن حياتها الهادئة الوادعة هى أفضل حياة ، و لست
أدرى كيف صارت كأنها صديقتى ، أتكلم معها و أحبها و زادت علاقتى بها ،
فأحببت كل ما أحبت فى حياتها و تمنيت لو أحيا على مثالها . و منذ سنوات
تقدم لخطبتى شاب متدين من أسرة معروفة لنا ، و يشغل وظيفة محترمة و يواظب
على الفروض المفروضة علينا فى ديننا ، و هو رجل ملتحى و على خلق طيب محترم
من جميع الناس . و تمت خطبتى إليه ثم إرتبطنا بالزواج ... و من الأمور التى
لا أنساها إنه قبل زفافى بيوم واحد رأيت فى رؤيا بالليل أن سانت تريز تقدم
لى باقة من الورود .. و كم فرحت بها .. لم يكن شىء يفرحنى فى يوم زفافى
أكثر مما فرحت بهذه الهدية و كانها تبارك حياتى " .
قلت لها " شىء جميل
.. إن القديسيين و هم فى السماء يحسون بالذين يرتبطون بهم على الأرض " .
ثم أستمرت فى تكملة قصتها قائلة " سارت حياتى هادئة طبيعية لا يعكر صفوها
سوى حلم مزعج أخذ يتكرر على مدار سنة كاملة بين الحين و الآخر " . قلت لها "
و ما هو ؟ " . قالت " كنت أرى و كأن شخصا غريبا مزعجا جدا و شكله قبيح
للغاية ، شرس و كأنه بلا رحمة .. كان يطاردنى و كأنه يريد أن يعتدى على .. و
كنت أفزع منه أيما فزع . و كنت يوم أن أحلم هذا الحلم المزعج أقوم من نومى
منهكة القوى مشتتة الذهن و كأنى مريضة . و كان زوجى يسألنى عن حالى فكنت
أقص له هذا الأمر ، فكان يهون على مرة و مرة أخرى يسخر منى . و مرة نذهب
إلى أحد المشايخ أو أصحاب المعرفة فكان كل منهم يقول كلاما ً أما واقع
الأمر فبقى كما هو .. فإزداد إضطرابى ، حتى إنى كنت أكره النوم خشية ً ما
أعانيه أثناء أحلامى هذه . و بالأمس نمت حوالى العاشرة و النصف مساءا ً .. و
فى نصف الليل تكرر هذا الكابوس المزعج .. طاردنى الشبح المخيف .. و
ياللهول .. لقد لحق بى و طرحنى أرضا ً و وقع على .. شعرت لحظتها أن ظلمة
كثيفة قد غشيتنى ، بل وقعت الظلمة فى داخلى ، كدت أموت . لم أكن أستطيع
التنفس
من شدة الخوف و الألم . و لكنى كنت بما بقى فى من قدرة هزيلة و
صوت خافت كأنه من بئر سحيق أقول " يا رب خلصنى ... يا رب نجنى " . و للحال
.. سمعت جلبة قوية .. كأرجل حصان يركض .. حتى إقترب منى و أنا فى حالتى هذه
.. فتحت عينى فى خوف فرأيت منظرا ً من نور . إنسان راكب جواد و ممسك بحربة
فى يده . وجهه جميل منير و منظره كله بهاء ، حتى حصانه كأنه منير .. ثم
صار صوت من راكب الفرس ، و إذ هو ينتهر الظلمة التى فى داخلى .. أن أخرج
منها .. فجاوبه بجفاء أن لا ، و حدثت مجادلة صعبة ، و أنا أسمع بخوف و فزع
شديد . فلما دام عناد الشبح الذى رب داخلى كظلمة .. بادره راكب الفرس بطعنة
من حربته بقوة فائقة ، فجاءت الطعنة فى صدرى و نفذت الحربة من ظهرى .. و
فى الحال إنقشعت الظلمة من نفسى تماما و حل بى نور و سلام و هدوء عجيب .
افقت فى لحظتها .. فلما فتحت عينى وجدت زوجى جالسا على السرير فى حالة من
الخوف و الهلع . قلت له " مالك جالس هكذا ؟ " قال " هل أنت بخير ؟" قلت له "
الحمد لله أنا بخير " . و جلست و قصصت عليه ما حدث لى تماما و أنا متأثرة
غاية التأثر ، فقال " هونى على نفسك و دعك من هذه التخاريف " . و حاولت
جاهدة
أن أعرف ما الذى أيقظه أو ماذا رأى أو سمع فلم يجيبنى بكلمة .
و فى
الصباح قمت فرحة سعيدة ، و عندما كنت أبدل ملابسى وجدت ملابسى الداخلية
ملطخة بالدم – و أخرجت ملابسها من كيس بيدها و إذا دائرة من الأمام و من
الخلف أثر الحربة التى طعنها هذا الفارس العجيب .
سألتها و قد اصابتنى
دهشة غامرة " هل تعرفى البطل مارجرجس ؟ " قالت " لا " قلت لها " تعالى
ورائى " و ذهبت بها إلى حيث أيقونة الشهيد العظيم مارجرجس ، فلما رأت
الأيقونة هتفت بصوت صراخ " هو هو " فجلست أتكلم معها عن سيرة أمير الشهداء
.. و هى تصغى و قد أشرق وجهها متهللا ً . و قلت لها " رغم عدم معرفتك
بمارجرجس و كونك لم تدعيه أو تطلبيه للمعونة .. و لكنك عندما طلبت إلى الله
أن يخلصك فإن الله تبارك أسمه يستجيب فى الحال ، فأرسل إليك أحد رجاله
القديسين و هو قوى و سريع فى المعونة و قاهر للشياطين . إن مارجرجس فارس
شجاع ، و لما كان على الأرض كان حصانه مشهورا ً يالأقدام ، فلما صار شهيدا ً
للمسيح فى السماء أصبح حصانه المنير الذى رأيته تعبيرا ً عن قوة الله ،
أما الحربة التى يمسكها فهى ليست مادية بل هى الصليب المقدس العلامة التى
تخيف
الشياطين و تكسر شوكتهم " . ثم علمتها كيف ترشم الصليب المقدس و
تتعلق به و قد صارت هذه بداية عجيبة لقصة حياة أعجب ، إبتدأتها القديسة
تريز بصداقة بسيطة و أكملها البطل الشجاع أمير الشهداء بحربته القوية ،
صلواتهم تشملنا و تحرسنا و تحرس أولادنا ..
من كتاب رائحة المسيح
فى حياة أبرار معاصرين للقمص لوقا سيداروس